اعتادت (نهى) الذهاب إلى طبيبتها النسائية كي تجد حلًّا لآلامها التي لا تنتهي، ولكن بلا فائدة، وبعد معاناة طويلة تخبرنا قصتها مع خطورة بطانة الرحم المهاجرة، أو ما يعرف بالانتباذ البطاني الرحمي.
قضت نهى سنوات من المعاناة والآلام المبرحة بسبب التشخيص الخاطئ رغم وجود علامات تُشير إلى هذا المرض، وتغير الحال عندما ذهبت لطبيب مختص بمناظير الرحم.
ورغم أن الطبيب أخبرها بأنها تعاني مِن مرض انتباذ بطانة الرحم وغير معلوم له سبب ولا علاج جذري، إلا أنها شعرت بالارتياح كثيرًا لوصولها لتفسير حقيقي أخيرًا بشأن حالتها، وتحسنت مع بدء العلاج.
تُعدُّ نهى واحدةً من ملايين النساء حول العالم اللاتي رفض الجميع الاعتراف بآلامهن حتى وقت قريب، وتم تصنيف أوجاعهن بالطبيعية، ووصم شعورهن بالمبالغات العاطفية في حين لم تكن شكواهن طبيعيَّةً أبداً.
ما هي بطانة الرحم المهاجرة؟
يُعرف الانتباذ البطاني الرحمي بنمو نسيج مشابه لنسيج الرحم الطبيعي في أماكن خارج الرحم، تتأثر بالهرمونات الجنسية وتتعرض للبناء والهدم مع الحيض، ولكن يحتبس الدم بداخل الجسم.
يتسبب ذلك في تكون الأكياس وحدوث التهابات والتصاقات داخل التجويف البطني، مما يعرِّض معظم المريضات للأعراض والمضاعفات، وأشهر الأماكن التي تصاب بأغراس انتباذ بطانة الرحم هي:
- عنق الرحم
- أحد المبيضين أو كليهما
- قناة فالوب
- المثانة
- الأمعاء
- المستقيم
- المهبل
- نادرًا بالحجاب الحاجز وأي أماكن آخرى بالجسم
- أماكن الندوب
مَن هن النساء الأكثر عرضة للإصابة؟
تخبرنا الدراسات بأن 10% من النساء اللواتي في سن الإنجاب بين 18-45 هن الأكثر عرضةً للإصابة، خاصةً إذا توفرت عوامل الخطورة، وتتعرض 75% منهن إلى التشخيص الخاطئ.
عوامل خطورة الإصابة بالمرض
- البلوغ في سن مبكر
- الوصول المتأخر لسن اليأس
- تاريخ عائلي بالمرض لأقارب الدرجة الأولى
- عدم الإنجاب
- الرضاعة الطبيعية لفترات طويلة جِدًّا أو عدم الرضاعة مطلقًا
- ارتفاع نسبة هرمون الإستروجين بالجسم
- الدورات الشهرية التي تقل عن 27 يومًا
- الدم الغزير أثناء فترة الحيض التي تزيد عن 7 أيام
- ضعف كتلة الجسم
- اضطرابات الجهاز التناسلي
- وجود ما يعيق خروج دم الحيض من الجسم
- نقص الأكسجين في الجسم ونقص الحديد
كيف تتكون بطانة الرحم المهاجرة؟
تشير الدراسات إلى أن النظريات التي تفسر آلية تكون بطانة الرحم المهاجرة غير مؤكدة إلى الآن، ولكن أشهرها هي:
- ارتداد دم الحيض وأنسجة الرحم إلى قنوات فالوب بدلاً من الخارج ومنها إلى تجويف الحوض والغشاء البريتوني.
- تطور بعض الخلايا خارج الحوض لتتحول إلى نسيج مشابه للرحم.
- انتقال خلايا الرحم عبر الأوعية الدموية والجهاز الليمفاوي إلى أماكن أخرى بالجسم.
- ارتباط بين العمليات الجراحية وتكون انتباذ بطانة الرحم الذي يلتصق بالندوب.
- في مراحل النمو المبكرة عند البلوغ يتسبب الإستروجين في تحول الخلايا الجينية إلى غرسات بطانة مهاجرة.
- اضطراب جهاز المناعة فلا يتعرف على البطانة المهاجرة ويسمح لها بالنمو كبطانة طبيعية.
أعراض بطانة الرحم المهاجرة
لا توجد علاقة بين حجم البطانة المهاجرة ودرجة الألم وشدة الأعراض، ولكن تختلف الأعراض بحسب مدى عمق ومكان غرسات بطانة الرحم، بل ترتبط أكثر بمدى الالتهاب البريتوني الذي تسببه الأغراس.
ووُجد أن ثلث المصابات لا يعانين من أي أعراض، ومع ذلك تعاني معظم النساء من:
- آلام عند حدوث الطمث وقبله وبعده
- النزيف الحاد وغير المنتظم
- ألم في أسفل البطن والظهر
- آلام بالحوض وتقلصات بالأمعاء، والشعور بالانتفاخ، الإعياء، والإرهاق المستمر
- ألم عند التبول، ووجود دم بالبول عند وجود الأغراس بالمثانة أو جوارها
- ألم عند التبرز ونزف بالمستقيم عند وجود الأغراس بالمستقيم والأمعاء
- ألم عند الممارسة الحميمية
- ضعف الخصوبة وتأخر الحمل
- ألم عند ممارسة التمارين الرياضية
- ألم بالمنطقة الأربية وآلام حادة مفاجئة بالبطن عند وجود الأغراس بالمبيض
أنواع بطانة الرحم المهاجرة (الانتباذ البطاني الرحمي)
هناك 4 أنواع -ويتم تحديد علاج البطانة المهاجرة بحسب نوعها؛ حيث يختلف كل نوع في شدته ومكانه- وهي:
1.النوع الأول
أخف أنواع الانتباذ البطاني الرحمي، حيث تنمو الخلايا بدرجة خفيفة جِدًّا في تجويف البطن وعلى السطح الخارجي للمبيض، ولا يسبب الندوب.
2.النوع الثاني
يُعد من الأنواع الخفيفة بالمقارنة بالأنواع الأخرى، وتنمو فيه الخلايا في المبيضين وفي بطانة الحوض، وتحدث بعض الأعراض المتعلقة بالألم والخصوبة.
3.النوع الثالث
يعرف بالانتباذ الرحمي العميق الأول، وتنمو فيه الخلايا حتى تصل إلى الأعضاء الأخرى وتسبب الالتهابات والالتصاقات بين الأعضاء.
4.النوع الرابع
ويسمي بتحلل الانتباذ الرحمي العميق الثاني، ويحدث فيه انتشار عميق في المبيضين وبطانة الحوض وتنتشر خارج الرحم مسببةً التهابات والتصاقات شديدة الكثافة.
يصيب هذا النوع بعمق قناة فالوب، الأمعاء والزائدة الدودية، والحجاب الحاجز، والرئتين والقلب، ويمكن أن تنتشر في المخ.
ويهدد أيضًا حياة المريضة ويعرضها لخطر الجراحة العاجلة والعقم، وأشهر المصابات به الفنانة الشهيرة ياسمين عبد العزيز.
مضاعفات وخطورة بطانة الرحم المهاجرة
- الإصابة بأكياس الشكولاتة إذا أصابت المبيضين
- تعرض أكياس المبيض للالتواء المفاجئ ومضاعفاته مثل فقد المبيض، وربما يهدد الحياة إذا لم يتم التعامل معه في الوقت المناسب
- الإصابة بالعقم
- في حالة حدوث الحمل مع هذا المرض يزداد خطر حدوث نزول المشيمة، والإجهاض، والولادة المبكرة
- آلام شديدة تعيق نمط الحياة اليومي والحياة الزوجية
- الإصابة بالاكتئاب
- التعرض لخطر الإصابة بالسرطانات مثل: سرطان المبيض والسرطان الغدي، وأيضا سرطان الرحم والثدي والمبيضين نتيجة ارتفاع الإستروجين والالتهابات المزمنة
بطانة الرحم المهاجرة والإصابة بالعقم
يصيب العقم بحسب الدراسات نسبة كبيرة من النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة تتراوح ما بين 30-50%، ويرجع ذلك إلى الأسباب الآتية:
- التغيرات التشريحية التي تحدث في الرحم وحدوث الالتهابات وما ينتج عنه من مادة السيتوكين
- تكون الندبات والالتصاقات في قناتي فالوب
- التغيرات الهرمونية والمناعية
- ضعف انغراس الحمل
- ضعف جودة البويضات
كما أن حوالي ثلث النساء المصابات بانتباذ بطانة الرحم مصابات بدرجات خفيفة ولا يعانين من أي مشكلة في الإنجاب، ولكن يُنصح هؤلاء ومن تتوفر لديهم عوامل الخطورة بالسعي للإنجاب مبكرًا قبل تفاقم الحالة.
كيف يتم التشخيص؟
تعتمد طرق علاج البطانة المهاجرة على التشخيص السليم للحالة ويتم ذلك بعدة وسائل:
1. الاستماع الجيد لشكوى المريضة والفحص السريري
تتعرض نسبة كبيرة جدًا من النساء إلى التشخيص الخاطئ نتيجة عدم الاهتمام بالشكوى والفحص السريري، مما يؤخر اكتشاف الحالة ويعرضها للمضاعفات.
2. طلب التحاليل
يتم طلب بعض التحاليل الازمة أحيانًا لاستبعاد بعض الأمراض الأخرى عن طريق فحوصات الدم، البول، وتحليل (CA125) بحسب الحالة.
3. عمل فحوصات أخرى
يجب الالتزام بعمل الفحوصات الضرورية لهذه الحالة المرضية، وذلك مثل:
- منظار البطن
- الموجات فوق الصوتية
- الأشعة المقطعية
- الرنين المغناطيسي
طرق علاج البطانة المهاجرة
تخشى النساء من خطورة بطانة الرحم المهاجرة ولكنه يُعد مرضًا مزمنًا ولا يوجد له علاجٌ جذريٌّ، وتعتمد خطة العلاج على حسب مرحلة البطانة، وشدتها، والهدف من العلاج، وعمر المريضة ورغبتها في الإنجاب.
ورغم تنوع طرق علاج البطانة المهاجرة إلا أنها قابلة للعودة ثانية حتى بعد الاستئصال الكلي؛ لذا تُدمج أكثر من طريقة في العلاج لتخفيف المعاناة والألم والحفاظ على الخصوبة والحد من تدهور الحالة.
أما اختيارات العلاج فتنقسم إلى:
1. أدوية لتسكين الألم
مثل مسكنات الألم غير الستيرويدية ومنها الديكلوفيناك، والإيبوبروفين
2. العلاج الهرموني
الغرض من العلاج الهرموني هو تقليل معدل الإستروجين الذي يسبب نمو البطانة المهاجرة، وبحسب الحالة تشمل خطة العلاج الأدوية التالية:
- حبوب منع الحمل
- هرمون البروجسترون
- الأدوية المناهضة لهرمون إطلاق الغدد التناسلية (Gn-RH)
- دواء الدانازول
- دواء ميجيسترول
- مثبطات الأروماتاز
3. التدخل الجراحي
هناك ثلاثة أنواع من التدخلات الجراحية ويستخدم كل منها بحسب شدة الحالة ومدى الضرر الذي سببته الالتصاقات والندوب، وهي:
1. الجراحة التحفظية
وتكون إما بشق جراحي أو بمنظار يقوم الجراح باستئصال أغراس البطانة المهاجرة دون إحداث أي ضرر للجهاز التناسلي، مما يحسن فرص المريضة للإنجاب.
2. الجراحة شبه التحفظية
يتم فيها استئصال الرحم بالإضافة إلى البطانة المهاجرة مع الحفاظ على المبيضين، وتستخدم مع النساء اللواتي لا يرغبن بالإنجاب، وصغيرات السن الذين لا يريدون انقطاع الطمث مبكرًا.
3. جراحة الاستئصال الكامل
يتم فيها استئصال الرحم كَامِلاً والمبيضين، والتخلص من الانتباذ الرحمي وتحرير الالتصاقات، وإزالة أي انسدادات في الأمعاء أو المثانة إما بالتسليك أو باستئصال الأماكن المتضررة.
4. المعالجة بالعلاج الطبيعي والطب البديل
تُستخدم بعض وسائل العلاج الطبيعي في تخفيف الألم والتقلصات، ومعالجة الالتصاقات باستخدام التيارات المختلفة والموجات فوق صوتية، ويمكن القيام أيضًا بالحجامة والإبر الصينية، وينصح بممارسة اليوجا والتأمل لتخفيف التوتر.
5. العلاج بالتغذية العلاجية
يُفيد اتباع نظام صحي في الإبطاء من نمو تلك البطانة والسيطرة على الأعراض، كما يضرها أيضًا سوء العادات الغذائية؛ لذا ننصح باتباع نظام غذائي مقاوم للالتهابات.
ينصح الأطباء بتجنب:
- السكريات
- النشويات المكررة
- الملح
- الأطعمة عالية الدسم
- الأطعمة المصنعة
- الأطعمة الغنية بأوميجا 6
- التدخين
- الكحوليات
كما يوصون بتناول:
- الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة
- أوميجا 3
- الأسماك
- الألياف
- المكسرات
- والبقوليات
- الخضراوات والفاكهة
6. العلاج بالأعشاب
يمكن استخدام بعض الأعشاب في التخفيف من الألم والتقلصات مثل: البردقوش، الزنجبيل، النعناع، القسط الهندي، البابونج، الكركم، الشاي الأخضر، كما أنها غنية بمضادات الأكسدة ومضادات الالتهاب.
طرق الوقاية من المرض
لا توجد حتى الآن طريقة لمنع الإصابة بهذا المرض، ولكن ينصح الأطباء بالآتي لتقليل فرص الإصابة:
- الحمل المتكرر في سن مبكرة وُجد أنه يقلل من فرص الإصابة بالمرض
- الرضاعة الطبيعية
- تجنب الحمل بعد سن 35
- استخدام أدوية منع الحمل
- ممارسة الرياضة بانتظام والحفاظ على نظام غذائي صحي متوازن
ختامًا
ينتشر مرض الانتباذ الرحمي بين النساء في سن الإنجاب فيصيب 10% تقريبا حول العالم، وهو مرض مزمن غير معلوم سببه ولا علاجه، ولكن توجد مجرد نظريات تفسر آلية حدوثه.
لا ترتبط شدة الأعراض بحجم البطانة المهاجرة، ولكن تعتمد شدة الأعراض على مكان وعمق أغراس بطانة الرحم ودرجتها.
تكمن خطورة بطانة الرحم المهاجرة -على الرغم من أنه مرض حميد- في التعرض لمضاعفات جسيمة منها: العقم، والسرطان، والتصاقات الأعضاء، والألم المزمن والاكتئاب، مما جعل بعض الدول تتبنى خططًا جادة لمواجهة المرض.
تتوفر العديد من طرق علاج البطانة المهاجرة منها الدوائية والجراحية والعلاج الطبيعي والتغذية السليمة، ولكنها لا تمثل حَلًّا نهائيًا للمشكلة، وهي فقط تضمن الحصول على حياة أفضل لمريضات هذا المرض المزمن.
الأسئلة الأكثر شيوعًا
متى تكون بطانة الرحم المهاجرة خطيرة؟
في حال تركت دون علاج فإنها تستمر في الانتشار، ومع تزايد درجتها وحدة الأعراض قد تهدد الحياة أحيانًا.
هل تعتبر بطانة الرحم المهاجرة تسبب السرطان؟
هي مرض حميد في حد ذاته، لكن يرتفع قليلًا خطر الإصابة بالسرطان لدى المصابات طبقًا لبعض الدراسات.
هل يمكن الشفاء من بطانة الرحم المهاجرة؟
لا يمكن الشفاء منها، ولكن لحسن الحظ توجد العديد من طرق العلاج التي تساهم كثيرًا في التخفيف من حدة أعراض المرض وانتشاره، وتحسين جودة الحياة.
ما هي مضاعفات البطانة المهاجرة؟
الإصابة بأكياس الشكولاتة إذا أصابت المبيضين
تعرض أكياس المبيض للالتواء المفاجئ ومضاعفاته مثل فقد المبيض
في حالة حدوث الحمل مع هذا المرض يزداد خطر حدوث نزول المشيمة، والإجهاض، والولادة المبكرة
آلام شديدة تعيق نمط الحياة اليومي والحياة الزوجية
الإصابة بالاكتئاب
التعرض لخطر الإصابة بالسرطانات مثل: سرطان المبيض والسرطان الغدي، وأيضا سرطان الرحم والثدي والمبيضين نتيجة ارتفاع الإستروجين والالتهابات المزمنة